هل أخفقت العلوم الاجتماعية في إثبات جدواها؟
نظَّم مركز ابن خلدون للعلوم الإنسانية والاجتماعية بالاشتراك مع كلية الآداب والعلوم بجامعة قطر حوارًا مفتوحًا بين أساتذة العلوم الاجتماعية؛ لمناقشة جدوى العلوم الاجتماعية في العالم العربي، بعنوان: هل أخقفت العلوم الاجتماعية في إثبات جدواها؟ وذلك يوم الإثنين، 17 رمضان 1443هـ الموافق 18 أبريل 2022، بقاعة المؤتمرات في كلية الآداب والعلوم. وقد شارك في الحوار عشرون أستاذًا جامعيًا من مختلف التخصصات المتعلقة بالعلوم الاجتماعية، من جامعة قطر، وجامعة حمد بن خليفة، ومعهد الدوحة للدراسات العليا، وجامعة نورثوسترن وغيرها، كما حضر في الحوار بعض المسؤولين بجامعة قطر، منهم: الدكتور عمر محمد الأنصاري، نائب رئيس جامعة قطر للشؤون الأكاديمية، والدكتور أحمد الزتحري، عميد كلية الآداب والعلوم بجامعة قطر.
وقد أدار الحوار الدكتور نايف بن نهار، مدير مركز ابن خلدون للعلوم الإنسانية والاجتماعية، وبدأه بمقدِّمة لخَّص فيها إشكالية الموضوع، حيث قال فيها: إن الهدف من هذا الحوار معرفة المشكلة التي أثارتْ السؤالَ الرئيس للحوار؛ هل هي إشكالية داخلية في بنية العلوم الاجتماعية نفسها؟ وفي أساتذة العلوم الاجتماعية أنفسهم؟ وفي مناهج العلوم الاجتماعية ومقارباتها؟ أم أنها إشكالية خارجية؟ أي ترجع إلى نظرة المجتمع إلى العلوم الاجتماعية؟ ونظرة صناع القرار إليها؟ بمعنى آخر: هل المشكلة في طبيعة العلوم الاجتماعية؟ لكونها علوم غير دقيقة بشكل أو بآخر، وتاليًا لا يستفيد منه صانع القرار بحكم أنه أكثر دقة في فهم الظاهرة الاجتماعية لامتلاكه أجهزة تحصل من خلالها على معلوماتٍ أكثر دقة، أم أن المشكلة في وظيفة العلوم الاجتماعية؟ حيث إن أساتذة العلوم الاجتماعية يرون أن دورهم ينحصر في وصف الظاهرة وتفسيرها، ويكتفون بذلك بحجة الموضوعيَّة، وبذلك فقد أساتذة العلوم الاجتماعية دور الإصلاح، إذا صحَّ التعبير، وتاليًا لا يهتم المجتمع بهم، بحكم أنهم لا يقودونه، أم أن الإشكالية في مخرجات العلوم الاجتماعية؟ وذلك أن مخرجات العلوم الطبيعية تكون عادة محسوسة، يراها صانع القرار، في حين تبقى مخرجات العلوم الاجتماعية في الكتب والأبحاث عادة، ولا يطلع عليها إلا النخبة، وهناك إشكالات أخرى غيرها، ونريد أن نناقشها من خلال هذا الحوار المفتوح الذي يحضره صناع القرار بجامعة قطر؛ حيث إن الجامعة تقود الآن مشروع تطوير العلوم الاجتماعية برئاسة الدكتور عمر الأنصاري، وهذا الحوار قد يفيد في بناء هذا المشروع.
وقد تباين موقف الأساتذة المشاركين في الحوار في الإجابة عن السؤال المطروح، ما بين قابل لفكرة السؤال، ومن ثمَّ حاول كشف أسباب إخفاق العلوم الاجتماعية في العالم العربي، والتي تتلخص في أسباب سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية وشخصية، حيث إن هناك أسبابًا ترجع إلى الأكاديميين أنفسهم، الذين نقلوا العلوم الاجتماعة الغربية إلى العالم العربي دون أي تعديل أو تنقيح، وكانوا في ذلك مجرد مقلِّدين. وهناك أسباب أخرى ترجع إلى المؤسسات التعليمية التي لم تولِ هذه العلوم الاهتمام المطلوب، كما أن هناك أسبابًا تعود إلى المجتمع، حيث ينظر المجتمع إلى العلوم الاجتماعية بنظرة سلبية إلى حدٍ ما، وهناك أسباب سياسية تكمن في إرادة السلطات التي لا تريد أن تتطور العلوم الاجتماعة، بالإضافة إلى الأسباب الخاصة التي تعود إلى الطلاب أنفسهم، حيث إن الطلاب الذين يلتحقون بتخصصات العلوم الاجتماعية يكونون عادة من الطلبة متدني الحصيلة العلمية، وتاليًا تكون مخرجات هذه العلوم وآثارها ضعيفة في المجتمع.
وفي المقابل رفض بعض المشاركين فكرة السؤال من الأساس، حيث يرون أن العلوم الاجتماعية لم تخفق، بل وضعها في العالَم العربي كوضعها في بقية دول العالم، تتقدم وتتأخر في حدود الفرص المتاحة لها، وأن الخطأ الذي وقع فيه من يعتقد أنها أخفقت في مقارنته للعلوم الاجتماعية بالعلوم الطبيعية، وهذه المقارنة غير صحيحة؛ لأن كل علم له طبيعته الخاصة به، كما أن له مجاله الخاص به، وتاليًا لا يصح مقارنة منجزات علمٍ ما بمنجزات علم آخر.
وفي الإجابة عن سؤال وجَّهه الدكتور نايف إلى الدكتور مصطفى عثمان، وزير الخارجية السوداني الأسبق وأستاذ الإسلام والشؤون الدولية بجامعة حمد بن خليفة: هل صانع القرار يحتاج إلى العلوم الاجتماعية؟ قال: نعم، إن صانع القرار يحتاج إلى العلوم الاجتماعية إلى حد كبير، وقال مشيرًا إلى تجربته الشخصية بأن تخصصه الأصلي كان في العلوم الطبيبة، وبعد أن أكمل الدكتوراه في الطب، رجع إلى العلوم الاجتماعية، وبدأ يدرس العلوم الاجتماعية، فدرس فيها البكالوريوس والماجستير والدكتوراه، وذلك لشعوره القوي بحاجة صانع القرار إلى العلوم الاجتماعية.
كما أشار الدكتور حمود عليمات إلى أن العلوم الاجتماعية هي التي تعالج الآثار السيئة التي تخلِّفها العلوم الطبيعية، كما أن المشاكل في هذه الأخيرة ليست أقل من المشاكل في العلوم الاجتماعية.
وفي تعليق له على مناقشات أساتذة العلوم الاجتماعية وباحثيها قال الدكتور عمر الأنصاري: أنا من خلفية طبعيية، وتاليًا لا أستطيع التعليق على كلام الأساتذة مباشرة، ولكن يبدو لي أن المنطقة الرمادية التي يمكن الاختلاف فيها أكبر في العلوم الاجتماعية منها في العلوم الطبيعية، وهذا راجع إلى طبيعة هذه العلوم، ولا يعني ذلك ألا نستفيد من هذه العلوم، بل ينبغي أن نستفيد منها ونطورها لصالح مجتمعاتنا، وأنا أتفق معكم في أن هناك نظرة سلبية من المجتمع إلى العلوم الاجماعية، وما لم نستطع من تغيير هذه النظرة لا يمكننا التقدم إلى الأمام.
وختم الدكتور نايف بن نهار الحوار بشكر الأساتذة المشاركين فيه والحضور. وقد استمر الحوار لمدة ساعتين.