حوار حول تعزيز مكانة العلوم الاجتماعية والإنسانية في العالم العربي
عقد فريق المشروع البحثي: تعزيز مكانة العلوم الاجتماعية في العالم العربي جلسة نقاشية مغلقة مع مسؤولي الصندوق القطري لرعاية البحث العلمي، مثّله الدكتور حاتم مهني مدير أول البرامج في الصندوق، وذلك يوم الأربعاء 28 سبتمبر 2022، بحضور عدد من أعضاء مركز ابن خلدون ترأسه مدير المركز نايف بن نهار، وأعضاء من جامعة قطر، وممثلين من المؤسسات الجامعية في قطر، استمرت الجلسة ساعتين كاملتين في مبنى البحوث في جامعة قطر.
رحّب الدكتور نايف بن نهار بالحضور، وأكّد على أهمية مناقشة تعزيز مكانة العلوم الاجتماعية في العالم العربي، وقد أوضح عناية مركز ابن خلدون بالعلوم الاجتماعية وسعيه إلى أقلمة هذه العلوم الهامة وتوطينها معرفيا. ومن جانبها شكرت د. أسماء ملكاوي رئيس فريق المشروع البحثي الدكتور حاتم مهني على تلبيته الدعوة، وكذلك الأساتذة من المؤسسات المختلفة على المشاركة في الجلسة.
بدأت الجلسة بحديث الدكتور حاتم مهني عن تجربة الصندوق القطري للبحث العلمي في دعم البحوث عامة، والبحوث الإنسانية والاجتماعية خاصة. وقد نوّه الدكتور مهني إلى نسبة مشاركة الأخيرة في التقدم للمنح الممنوحة والفوز بها؛ حيث بلغت ما نسبته 15% من المشاركات الفائزة، ولكن نسبة المخرجات البحثية من المشاريع الممولة في الاجتماعية والإنسانية أقل من ذلك بكثير حيث وصل إلى حوالي 7%. بالمعدل، كما بلغ عدد المنشورات في العلوم الاجتماعية والانسانية 3.5 منشور لكل مشروع. تحدث الدكتور حاتم مهني عن التغيرات الحاصلة بشأن صندوق قطر لدعم البحث العلمي ودمجه في مجلس القطري للبحوث والتطوير والابتكار، مما سيكون له أثر في تغييرات ستطرأ على طريقة التمويل للمشاريع.
ناقش المشاركون ما اعتبروه تحديات تعيق الباحثين في العلوم الاجتماعية والإنسانية من التقديم لهذه المشاريع، كما وأدلى المناقشون بآرائهم حول طرق التشجيع وخاصة فيما يتعلق بالمخرجات البحثية كمًّا وجودة، ومن بينها: التباين الموجود حاليًا بين معايير النشر في المؤسسات الأكاديمية في قطر ومعايير المتبعة في صندوق قطر والتي تقبل أي منشور تقريبا بغض النظر عن منبر النشر أو شكله أو جودته بالتأكيد؛ حيث اقترحت د. فاطمة الكبيسي رئيس قسم العلوم الاجتماعية بجامعة قطر توحيد هذه المعايير.
أما الأستاذ الدكتور نبيل حداد من معهد الدوحة للدراسات العليا، فقد أثنى في بداية حديثه على جهود الصندوق ودعمه للبحث العلمي. وقد أكّد د. نبيل على أهمية وجود تحفيزات خاصة في المؤسسات الأكاديمية، لا سيّما أن كتابة مقترحات هذه المشاريع مضنية حقا، وتستهلك بالمعدل من بين شهرين وثلاثة شهور من العمل المتواصل، ومن ثم تنفيذها ليس بالأمر السهل، ويحتاج إلى بذل مجهودات إضافية كبيرة، وأحيانا الاشتغال خلال أوقات الراحة. فهو يرى أن عدم وجود نظام تحفيزي للباحثين في بعض المؤسسات، يخلق مناخًا لا يشجع على المشاركة في هذه المشاريع.
وقد تداخل الدكتور بدران بن لحسن بتأكيده على أهمية عدة أمور، منها: المخرجات المطلوبة من المشاريع البحثية ينبغي أن لا تقتصر على المنشورات، وإنما تشمل كل ما يتضمن البحث العلمي وبناء القدرات مثل: الورشات التدريبية، الحلقات النقاشية، الأوراق البحثية، الكتب المحكمة ، كما وضحّ الدكتور ابن لحسن أن معيار التنافسية غير واضح ودقيق من خلال التسوية بين العلوم الإنسانية والاجتماعية وبين العلوم الطبيعية والتكنولوجيا والصحة؛ لأن المشاريع في العلوم الإنسانية والاجتماعية قيمة تمويلها ضئيلة جدًا مقارنة بالعلوم الأخرى، وهو ما يجب أخذه بعين الاعتبار.
وقد أكّد الدكتور بدران بن لحسن على أن اشتراط تفاصيل دقيقة في التقديم للورشات والمؤتمرات، تعد عرقلة وتردد أمام الراغبين في التقدم؛ باعتبار أن الصيغة الحالية تطلب سيرة ذاتية مفصلة وموافقات من المدعوين المحتملين، مما يوقع المتقدمين بمشاريع الورشات في حرج أخلاقي أمام المدعوين في حالة عدم الحصول على تمويل المشاريع المتقدم إليها، وقد أنهى د. بدران مداخلته بأهمية إعطاء عناية للمحتوى باللغة العربية سواء في التقديم أو التمويل أو البحوث المنشورة، بما يعزز من المحتوى العلمي العربي ويجعل العربية تأخذ مكانها في بلادها.
وقد شارك في الجلسة النقاشية د. محمود عليمات من معهد الدوحة للدراسات العليا، الذي بدأ حديثه بشكر مركز ابن خلدون على الدعوة، كما أثنى على جهود الصندوق القطري وتغييراته التي تبشر بالخير في الفترة القادمة. شارك الدكتور العليمات بعدد من الملاحظات الجادة في الموضوع، منها: "وهم الكم"؛ فلا تقاس جودة البحث العلمي بكثرة الأبحاث برأيه، بل بجودتها وأصالتها، وتأثيرها الحقيقي المجتمعي، وليس مجرد نشرها في تصنيف ما من المجلات، كما أشار د. حمود إلى "تنوع طبائع البحث العلمي والنشر". فالنشر العلمي لا يقاس بميزان واحد؛ فالبحث العلمي الاجتماعي يتطلب إجراءات وموافقات ومتطلبات عديدة تستغرف الوقت والجهد، مقارنة بالأبحاث في العلوم التطبيقية التي ربما تكون مختبرية أو نظرية، لذلك فإن نشر مقال واحد في العلوم الإنسانية والاجتماعية يعادل نشر العديد من المقالات في العلوم الأخرى وخاصة الطب، و شدّد الدكتور محمود العليمات في مداخلته على التحرر من وهم "العالمية" وتبديد الموارد المادية والبشرية، بل والمغامرة بمستقبل الأوطان، مقابل الانجرار وراء شركات تصنيف تصطنع معايير ومواصفات تلبي رغبات الجامعات في العالم الثالث. "العالمية"، تنبثق من "المحلية"، من خدمة المجتمع المحلي وتطويره وتحسينه. لذلك لا بد أن تكون خدمة المجتمع وتطويره والمساهمة في حل مشكلاته، وقد اقترح د. العليمات إعطاء الاعتبار "للأبحاث الموجهة" التي تطلب لجهات رسمية وغيرها ويتناول قضايا وسياسات؛ لأنها تؤثر مباشرة في السياسات والبرامج والإجراءات، وأنهى حديثه بالتوصية بعمل Data Resevoir، بنك بيانات لتخزين البيانات البحثية وحفظ حقوقها وتسهيل الوصول إليها، مما يوفر الجهود الكبيرة ويسرع في البحث.
وجاءت مداخلة الدكتور عبيد الله محجوب أستاذ باحث مساعد في مركز ابن خلدون مركزة في عدة نقاط، هي: إعطاء ميزة تنافسية (تمييز إيجابي) للعلوم الاجتماعية مع اعتبار معايير الجودة، وذلك من خلال تخصيص نسبة محددة من التمويل الكلي للعلوم الاجتماعية. ويبرر التمييز الإيجابي؛ لأن العلوم الاجتماعية هي الحلقة الأضعف وتحتاج إلى دعم في المرحلة الأولى حتى تستوي على سوقها، بالإضافة إلى توسيع محاور البحث في العلوم الاجتماعية، فمن عدد خمسة محاور يعتمدها الصندوق للدعم هناك محور المجتمع، وهذا سبب رئيس لقلة البحوث المقدمة في رأي د. محجوب!، ودعا أيضًا إلى الاهتمام ببناء القدرات للباحثين في مجال العلوم الاجتماعية بتخصيص جزء من الدعم الفائض من محور العلوم الاجتماعية على التدريب والتأهيل.
أما الأستاذ الدكتور التيجاني عبد القادر رئيس قسم العلوم الاجتماعية بمركز ابن خلدون، فقد أوضح قصور الشروحات لمجالات البحث وأولوياته، وهذا من وجهة نظره يصعب على الباحثين التقدم بمشاريع وخطط بحثية للصندوق؛ نظرا لصعوبة إدراك حاجات الصندوق من البحوث المرجوّة والمفضلة.
ثم انتقل الحديث للدكتورة أسماء ملكاوي رئيس فريق المشروع البحثي التي بينت أهمية هذا الحوار والمداخلات فيه، كما قدمت عرضا قصيرا عن المشروع والمقترحات التي يسعى إليها لتعزيز مكانة العلوم الاجتماعية.
تخلل مداخلات المشاركين ردود الدكتور حاتم مهني عليها، واهتمامه بما قدمه الباحثون من مقترحات وتحديات، وسعيه إلى رفع هذه المقترحات توصيات إلى المجلس القطري للبحوث والتطوير والابتكار لمناقشتها والاستفادة منها.