نظم مركز ابن خلدون للعلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة قطر مؤتمره الدوري السنوي للتجسير، والذي استمرّ لمدة يومين؛ 30 سبتمبر و01 أكتوبر، 2023. وقد شارك في المؤتمر 28 باحثًا وباحثة من مختلف التخصصات العلمية، ومن مختلف دول العالَم، والذين قدموا أوراقهم العلمية، التي تناولت محاولات التجسير بين العلوم الطبيعية من جانب، والدراسات القرآنية والشرعية والاجتماعية والسياسية والنفسية والتربوية من جانب آخر. وقد انعقد المؤتمر في اليوم الأول بمبنى شؤون الطلاب في جامعة قطر، في حين انعقدت أعمال اليوم الثاني في فندق ويندام الدوحة-ويست باي.
اختصّ المؤتمر في دورته الحالية بالأبحاث البينية (Interdisciplinary) التي تسعى للربط بين العلوم الاجتماعية والعلوم الطبيعية في أي مستوى من المستويات البحثية، وذلك لتوفير حالة من التفاعل العلمي بين هذه التخصصات التي يندر التفاعل فيما بينها، وكذا يكون هذا المؤتمر فرصة علمية يتمكن من خلالها الباحثون لبناء شبكة علاقات بحثية فيما بينهم، ما ينعكس إيجابًا على تطوير موضوعاتهم البحثية، وتعزيز فكرة التكامل المعرفي لدى الباحثين وطلبة الدراسات العليا، وأخيرًا فتح آفاق بحثية جديدة للباحثين في مجالات العلوم الاجتماعية والإنسانية والطبيعية.
افتُتِح المؤتمر بكلمة ترحيبية من الأستاذة الدكتورة مريم المعاضيد، نائب رئيس جامعة قطر للبحث والدراسات العليا، التي رحَّبت في بداية كلمتها بالضيوف المشاركين بأوراقهم في هذا المؤتمر والحضور الكريم، ثم أشارت إلى أهمية الموضوع الذي يناقشه هذا المؤتمر، وهو موضوع التجسير بين التخصصات الطبيعية والتخصصات الاجتماعية، وذلك لتقليل الهوية بين التخصصات العلمية، وانفتاح بعضها على بعض؛ لتكون النتائج العلمية التي يتوصلون إليها أكثر دقة وأكثر نفعًا للمجتمع.
كما أشادت الدكتورة مريم بالجهود التي يبذلها مركز ابن خلدون في هذا المجال، الذي نظَّم فعاليات عديدة، وقام بمشاريع عملية أسهمت في مجال التجسير بين العلوم المختلفة، وأخيرًا ختمت الدكتورة المعاضيد كلمتها بتمنياتها بالتوفيق والسداد لجدول أعمال المؤتمر.
وفي كلمته التأطيرية حول المؤتمر تحدث الدكتور نايف بن نهار، مدير مركز ابن خلدون، عن أهمية الربط بين العلوم الطبيعية والعلوم الاجتماعية، غير أنه نبَّه على أن "العلاقة بين العلوم الطبيعية والعلوم الاجتماعية مهمة وخطيرة في الوقت نفسه؛ لأن تطوير مثل هذا التنظير ليس سهلًا، لا سيما في العالَم العربي الذي نرى فيه فصلًا حادًا وحاسمًا بين التخصصات، وبالتالي ينبغي للباحثين الذين لديهم القدرة على تجاوز هذا الفصل النظر في تخصصات آخرى لتجسير العلاقة بين هذه العلوم".
وقد عرَّض الدكتور نايف في ثنايا الكلمة على الفكرة السائدة بين عدد كبير من الناس بأن العلوم الطبيعية تختلف بوضوح عن العلوم الاجتماعية؛ لأن "العلوم الاجتماعية تدرس الإنسان، والإنسان ذو إرادة، والإرادة تعني الحرية، والحرية تعني خيارات متعددة، وبالتالي يصعب أن نتنبأ في العلوم الاجتماعية، في حين أن العلوم الطبيعية تدرس المادة، والمادة تعني القوانين، والقوانين تعني الحتمية"، غير أنه يرى أن هذا الفارق بين العلوم الطبيعية والعلوم الاجتماعية ليس بهذا الوضوح والبساطة؛ لأن العلوم الطبيعية وإن كان فيها بُعد حتمي ويقيني، غير أن نتائجها كلها ليست على وزان واحد؛ لأن فيها أيضًا ما هو يقيني، وهناك ما هو ظني، وهناك ما هو احتمالي. وكذلك العلوم الاجتماعية التي تعتني بالإنسان الذي مُنِحَت له إرادة حرة، غير أن ذلك لا يعني أنه يتجاوز الحتمية مطلقًا، بل هناك بُعد حتمي في الإنسان أيضًا، وهذا البُعد الحتمي يضفي المشروعية على العلوم الطبيعية للتدخل في العلوم الاجتماعية. وهذا يعني أن العلوم الطبيعية والعلوم الاجتماعية لديهما مجالات مشتركة، وهذا ما يستدعي التعاون بينها، حتى يمكن الاستفادة من نتائجها بشكل أفضل.
ثم تتابعدت جلسات المؤتمر الخمسة، والتي كانت عناوينها على التوالي: "علم الاجتماع والعلوم الطبيعية"، و"السياسة والاجتماع والعلوم الطبيعية"، و"الدراسات الشرعية والعلوم الطبيعية"، و"الدراسات القرآنية والعلوم الطبيعية"، و"علم النفس والتربية والعلوم الطبيعية"، ثم تبعت ورشة علمية بعنوان: "العلوم الاجتماعية والإنسانية في برامج كليات الطب"، والتي عرض فيها أربعة من الأساتذة تجاربهم العملية في دمج العلوم الاجتماعية والإنسانية في برامج كليات الطلب في كل من دولة قطر، وجمهورية مصر العربية، والمملكة المغربية، والمملكة العربية السعودية. وقد خُتِمَت أعمال المؤتمر بجلسة نقاشية مفتوحة بعنوان: العلوم الاجتماعية والعلوم الطبيعية: أسئلة الاتصال والانفصال.