محاضرة بعنوان: وسائل التواصل الاجتماعي: هل تصنع شخصياتنا أم تكشف عنها؟
نظم مركز ابن خلدون للعلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة قطر محاضرة علمية بعنوان: "وسائل التواصل الاجتماعي: هل تصنع شخصياتنا أم تكشف عنها؟"، قدمها للدكتور نايف بن نهار في مدرج مجمع البحوث بالجامعة، وذلك يوم السبت، 14 رجب 1444هـ الموافق 4 فبراير 2023م. وقد حضر المحاضرة عددٌ كبير من الأساتذة والطلاب والجمهور من المجتمع القطري.
بدأ الدكتور نايف بن نهار المحاضرة بالإشارة إلى أن البعض قد يظن أن السؤال المطروح في عنوان المحاضرة يشير إلى النظرة السوداوية إلى وسائل التواصل الاجتماعي، وهذا غير صحيح؛ لأن وسائل التواصل الاجتماعي تُعدُّ نعمة كبيرة للعلماء والباحثين والمثقفين، حيث إنها فتحت لهم طريق الوصول إلى الجمهور، الذي لم يكن الوصول إليه إلا من خلال الوسائل التي كان يتحكم فيها السلطة، كالصحف والمجلات، والتفاز، ودور النشر، وغيرها. وهذا ما ينبغي أن يدفع العلماء والباحثين والمثقفين إلى استغلال وسائل التواصل الاجتماعي لصالح أفكارهم وأهدافهم، ولكنْ ما حدث، في بعض الأحيان، هو العكس، حيث إن عددًا كبيرًا منهم قد عزفوا عن هذه الوسائل، بحُجة أنها لا تليق بمكانتهم. مع الوضع بعين الاعتبار أن هناك من لديه حجج منطقية لهذا الانسحاب، كالذي لا يستطيع الصبر على انتقادات الناس، والذي لا يود أن ينتقده كل من أراد ذلك.
كما أشار المحاضر إلى أن وسائل التواصل لها عيوب أيضًا، بجانب مزاياها، ومن أهمها عيوبها أنها تصنع السطحية فيمن يتعاملون معها، حيث إن الإنسان يدلي بأفكاره دون إنضاجها من خلال الروية والتأمل والتفكر، على عكس ما كان السائد لدى المفكرين في السابق، حيث كانوا لا يُظهرون آراءهم في القضايا إلا بعد النضج والوصول إلى قناعات معينة. كما أن وسائل التواصل الاجتماعي تجمِّد الأخطاء، حيث إن الإنسان قد يتصرف بطريقة خاطئة بناءً على ظروف معينة، ولكن الناس قد يحوِّلونها إلى طبيعة الشخص نفسه، مع أن التصرف كان لحظيًا واستثنائيًا لا يمثل شخصيته.
وبعد هذه المقدمة دخل الدكتور نايف في موضوع السؤال المطروح في عنوان المحاضرة، وأشار إلى أن الإجابة عنه تتطلب النظر إلى الإنسان من خلال نظرية الدوائر، فهو يتغير بتغير هذه الدوائر، ويتكيف مع كل حالة بما يتناسب معها؛ لأن الإنسان في حال الانفراد يتصرف بطريقة تختلف عن حالة الاجتماع، ففي الحالة الأولى يتصرف بعفوية، فيفعل ما يريد، وكيف يريد، دون اللجوء إلى طريقة معينة، بخلاف حالته في الاجتماع، حيث يتصرف في كل حالة بما يليق بتلك الحالة.
غير أن الإنسان في وسائل التواصل الاجتماعي يجمع بين حالتي الانفراد والاجتماع، حيث إنه منفرد بنفسه في المكان الذي يعيش فيه، بحيث لا يراه أحد، كما لا يرى أحدًا، ولكنه في الوقت نفسه مجتمع بغيره من خلال هذه الوسائل، حيث يرى الآخرون ما ينشره. وهنا مكمن الخطورة، حيث إنه قد يتصرف بحكم الانفراد، ويبدو ذلك غريبًا بالنسبة إلى الآخرين الذين لم يتعودوا منه مثل هذا التصرف، ولم يكن ذلك إلا لطبيعة الازدواجية التي يواجهها الإنسان بالنسبة إلى وسائل التواصل الاجتماعي.
كما أشار الدكتور نايف إلى أن الإنسان يبحث عن التميز والاهتمام في حياته، ولكن الناس ينقسمون إلى قسمين بالنسبة إلى الاستجابة لمتطلبات هذا التميز والاهتمام، (1) الإنسان المعياري الذي لا يتغير بحسب رغبات الآخرين، بل لديه معايير ثابتة يتصرف في ضوئها، (2) الإنسان الذي يستجيب لكل حالة بما تريده منه. ولما كانت وسيلة التميز والاهتمام في وسائل التواصل الاجتماعي هو تفاعل الآخرين بما ينشره، فإن الناس تجاه هذه الظاهرة انقسموا إلى عدة فئات، فئة رضيت بمعيار التفاعل، فيقوم بكل ما تفاعل الناس معه، وإن لم يكن شيئًا مفيدًا في نظره. وفئة أخرى خافت من هذا المعيار، فانسحبوا عن وسائل التواصل الاجتماعي خوفًا من ألا يتفاعل الآخرون معه. وفئة أخرى صمدت على معياره الخاص، وهدفه الأساسي، فأصرَّ على استخدام هذه الوسائل لما يتطلبه هدفه، وليس بما يريده الآخرون منه. علمًا بأن موضوع التفاعل، من حيث هو، أمر مطلوب، ولكنه لا ينبغي أن يتحول إلى غاية، يسترخص الإنسان في سبيل الوصول إليها كل شيء في الحياة، بحيث يوظف أسرته وممتلكاته وكل ما لديه للوصول إلى هذا الهدف، بل المطلوب أن يكون معيار التفاعل وسيلة لبلوغ الإنسان إلى هدفه في الحياة.
أما فيما يتعلق بوسائل التواصل، هل هي تصنع شخصياتنا أم تكشف عنها؟ فإن الإجابة مركبة، وليست بسيطة، ولكنها تصنع شخصيات أولئك الذين لديهم قابلية لتقليد الآخرين والتأثر بهم والتلقي منهم، في حين أنها تكشف عن شخصيات الذين يريدون إيصال أفكارهم إلى الآخرين. وليس بالضرورة أن يكون هذا هو المعيار الوحيد.
وقد تميزت المحاضرة بتفاعل الحضور الواسع مع الموضوع، حيث شارك عدد كبير بمداخلاتهم حوله، وطرح أسئلتهم حول القضايا التي تطرق لها المحاضر، وقد استمرت المحاضرة لمدة ساعة ونصف.