نظَّم مركز ابن خلدون للعلوم الإنسانيَّة والاجتماعيَّة بجامعة قطر ندوة علمية يوم الإثنين الموافق 15 محرم، 1443هـ/ 23 أغسطس، 2021م بعنوان: "عودة طالبان: التفاعلات والمآلات"، وذلك عبر منصة ويبكس ( WebEx) الإلكترونية، وقد جاءت هذه الندوة ضمن إطار المواكبة، وهو أحد الأطُر الخمسة التي يعمل في ضوئها مركز ابن خلدون بجامعة قطر، و شارك فيها كلٌ من: الدكتور لقاء مكي، والدكتور محجوب الزويري، والدكتور عبد الحميد صيام، والأستاذ تيسير علوني، والدكتور علي باكير.
ابتدأتِ الندوة التي أدارها الباحث عبد الرحمن المري بكلمة الأستاذ تيسير علوني -وهو مستشار إعلامي في قناة الجزيرة ومراسلها السابق في أفغانستان-، وقد تحدث عن الموضوع في ضوء خبراته الطويلة في العمل الصحفي المباشر في أفغانستان، في ظل حكومة طالبان السابقة بين 1996-2001، وقد بدأ حديثه بنقطة مواقف دول الجوار لأفغانستان، وأن هذه الدول لديها مخاوف وهواجس، كما أن لديها مصالح، وهي تحاول أن توازن بين هذه المخاوف والمصالح، وبناءً عليه فتحت قنوات التواصل والعلاقة مع طالبان. وأشار الأستاذ علوني إلى كلٍّ من مواقف باكستان الهند وروسيا والصين، وأن باكستان والهند حوَّلتا أفغانستان إلى مسرح لمصالحهما. وأن الصين هي الأكثر استفادة من عودة طالبان من الدول المجاورة، ولكن الصين لن تدخل عسكريًا في أفغانستان، بل ستستفيد من الموضوع اقتصاديًا واستراتيجيًا، وهذا ما يخوِّف الغرب أيضًا.
كما أكد علوني على أن صورة طالبان السابقة في مخيلة الكثيرين مشوَّهة جدًا، حيث إن مسألة حقوق المرأة في ظل حكومة طالبان مبالغ فيها إلى حد كبير، وأن البرقع جزء من الثقافة الأفغانية من 400 سنة، وهذا الأمر لم يختلف حتى في ظل الحكومات التي جاءت في أفغانستان بمساعدة الغرب.
وقال الدكتور عبد الحميد صيام –وهو محاضر في مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة روتجرز، نيوجيرسي- بأن عودة طالبان إلى الحاكم ساعدتْه إلى حد كبير إلى أخطاءُ الولايات المتحدة الأمريكية، وأن الشعب الأفغاني شعب حر، ولا يقبل بالضيم من أيٍ كان، وهذا الخروج المذل لأمريكا يُعدُّ هزيمة نكراء، ويرى أن أمريكا قامت على ثلاث دعامات؛ إبادة السكان الأصليين، وجلب السكان الأفارقة لممارسة العبودية، وإشعال الحروب على الشعوب.
ويرى الدكتور صيام أن الأمم المتحدة ليست لديها مشكلة في الاعتراف بحكومة طالبان، ولكن المجتمع الدولي يريد من طالبان أن تقوم بأمور أساسية، كمسألة حقوق المرأة، وعدم السماح لاستخدام الأراضي الأفغانسية للهجوم على أي دولة أخرى، وإقامة حكومة تشاركية تضم كافة أطياف المجتمع الأفغاني، وفتح مرحلة جديدية للحكم، والتسامح وغيرها.
ثم تحدث الدكتور لقاء مكي –وهو باحث أول بمركز الجزيرة للدراسات- وبدأ حديثه بالإشارة إلى انسحاب أمريكا السريع من أفغانستان، وأن هذا الانسحاب لم يكن عن إرادة، وإنما تحت ضغوط؛ لذا كان خروجهم بهذه الصورة المخزية، وأن عودة طالبان إلى الحكم قد أسعدت التنظيمات الإسلامية، وحتى الإسلاميين، والمسلمين العاديين بشكل عام، وذلك بسبب الهزائم المتكررة للمسلمين السنة في عدد من البلدان الإسلامية، كما أن حركة طالبان تُعدُّ أول تنظيم يحقِّق انتصارًا بهذه الصورة، حتى دخلوا القصر الرئاسي دون إراقة أي دماء، وإعلان عفو عام، والالتزام به حتى الآن، مما جعل المسلمين السنة يتعاطفون معها، وهذا قد يدفع بعض التيارات الأخرى للاتجاه في هذا الاتجاه.
ويتساؤل الدكتور مكي عن: لماذا يجب على طالبان أن تقدِّم نفسها كنسخة جديدة؟ وأنها لا صلة لها بماضيها؟ ويرى مكي أن الحركة لو فعلت ذلك فإنها سوف تفقد شعبيتها وقبولها لدى جماهيرها، وسوف يحصل هناك انشقاق بين القادة وقاعدة طالبان العامة.
أما الدكتور محجوب الزويري –وهو مدير مركز دراسات الخليج بجامعة قطر- فقد تحدث عن التفاعل الإيراني-الأفغاني في ظل عودة طالبان، وأن هذا الأمر سيؤثر في الشأن الإيراني، حيث إن إيران لديها حدود طويلة مع أفغانستان، وتصل إلى 900 كيلومتر، وأن علاقة إيران مع طالبان، وإن لم تكن وديَّة في السابق، إلا أننا لاحظنا اتصالات بين الجانبين، مما جعل وزير الخارجية الإيراني السابق جواد ظريف يستقبل قادة طالبان في طهران، ومن هنا تواصل المسؤولون الإيرانيون مع شيعة الهزارة في أفغانستان، وطلبوا منهم عدم التصادم مع طالبان والتعامل الإيجابي معهم.
ويرى الدكتور الزويري أنه بدا لإيران منذ وقت أن أمريكا ستخرج من أفغانسان، ولكنها تفاجأتْ بخروجها السريع منها، وأن إيران تريد أن تستفيد من الحالة الراهنة لمصالحها الاقتصادية ووغيرها، حيث إن استقرار أفغانستان ستجعل منها سوقًا إيرانيًا مهمًا.
وقال الدكتور علي باكير –وهو أستاذ باحث مساعد بمركز ابن خلدون للعلوم الإنسانية والاجتماعية- في حديثه: إن خروج أمريكا من أفغانستان أدى إلى فراغ دولي فيها، وهذا الفراغ يحاول عدة أطراف دولية الاستفادة منها، والعلاقة التركية-الأفغانية تاريخية وقديمة، وهي موجودة واقعيًا في أفغانسان منذ 20 سنة، وقد وصل عدد الجنود الأتراك إلى 700 جندي في بعض الأحيان، ولكنهم لم يشاركوا في القتال ضد أي طرف، وإنما عملوا في المجالات الإنسانية، وهو ما أدى إلى تحسُّن صورتها لدى شريحة من الأفغان. ويرى الدكتور باكير أن الجاب التركي لا يملك علاقات مباشرة مع طالبان، وهذا قد يشكِّل تحديًا بالنسبة إليها، ولكنها أبدت استعدادها للتعامل مع طالبان، وحتى استقبال زعيمها في تركيا. ومن الفرص الجيدة لتركيا وجود علاقة جيدة بين قطر وباكستان وبين طالبان. وقد أبدى أحد عناصر طالبان أنهم يريدون من تركيا أن تكون الدولة رقم 1 في العلاقات الاقتصادية والاستراتيجية.
وقد استمرت الندوة لمدة ساعتين، وتفاعل الحضور باهتمام مع القضايا التي طرحها المشاركون في الندوة بخصوص عودة طالبان إلى الحكم، وطرحوا أسئلة مهمة أجاب عنها المشاركون