نظَّم مركز ابن خلدون للعلوم الإنسانيَّة والاجتماعيَّة بجامعة قطر محاضرة علمية يوم الخميس 8 شوال 1442هـ الموافق 20 مايو 2021م بعنوان: "الدعاوى الصهيونية بالحق التاريخي والديني في القدس: عرض ونقد"، وذلك عبر منصة زوم (zoom) الإلكترونية، وقد جاءت هذه المحاضرة ضمن إطار المواكبة وهو أحد الأطُر الخمسة التي يعمل في ضوئها مركز ابن خلدون بجامعة قطر، وقدمها أ.د محمد خليفة حسن أستاذ الأديان وحوار الحضارات بجامعة قطر، على خلفية الاعتداءات الإسرائيلية الراهنة على بيت المقدس والفلسطينيين لاسيما أهل غزة.
استهل اللقاء الذي أداره د. جاسم الجزاع -المحاضر في التاريخ الإسلامي- بكلمةٍ منه أكد فيها بأن معركتنا في هذا الزمان هي معركة وعي، لأن الجيل الحالي يعاني من غياب الوعي والفكر والمعلومات عن عدوهم وعن الحركة الصهيونية، مشيرا إلى أن بداية حل أي مشكلة هي الوعي بها كما هو معروف في علم الإدارة.
ثم بدأ الأستاذ الدكتور محمد خليفة بتحية الحضور الكريم، وقبلها شكر مركز ابن خلدون ومدير المركز الدكتور نايف بن نهار على دعوته لإلقاء هذه المحاضرة التي تأتي في هذا الوقت الصعب الذي يعاني فيه الإخوة الفلسطينيون من العدوان الصهيوني الغاشم.
وأشار الدكتور إلى أن دعاوى الصهيونية بأن لليهود حقا تاريخيا ودينيا في فلسطين، والتي بدأت قبل الصهيونية بوقت طويل، هي دعاوى مزيفة ولا تتفق مع تاريخ فلسطين ولا تاريخ بيت المقدس، لذلك اشتغل الاستشراق اليهودي ومن بعده الاستشراق الصهيوني وحاليا الاستشراق الإسرائيلي، على ما يسمى اختلاق أو خلق إسرائيل، واختلاق بيت مقدس يهودي يدّعون أن به هيكل سليمان عليه السلام، وقال بأن بيت المقدس تعرض إلى أكبر عملية تزييف حدثت في التاريخ الإنساني.
وأكد أن إسرائيل وليدة الاستشراق وهو الذي صنعها، وأن المؤرخين في الغرب والعالم الإسلامي يستخدمون كلمة اختلاق أو خلق التي تعني الخلق من لا شيء، أي دولة من لادولة، وقد تمت عبر تزييف التاريخ الفلسطيني أو إسكات التاريخ الفلسطيني.
وعبر استعراض التاريخ السياسي لليهود أثبت الدكتور محمد خليفة زيف دعاوى الصهيونية بالحق التاريخي، إذ إن اليهود لم تكن لهم دولة طوال تاريخهم، بدءا من تاريخ خروجهم إلى مصر ومرورا بالخروج من مصر ونحو الشتات أربعين سنة، ثم مرحلة مملكة داوود وسليمان التي دامت فقط 30 عاما، ولم ترقَ إلى مستوى الدولة بل كانت مجرد كيان سياسي. وبعدها مراحل السبي المختلفة إضافة إلى الوقوع تحت سلطة مختلف أنواع الإمبراطوريات كالدولة المصرية القديمة، والآشورية، والبابلية، والفارسية، واليونانية، والرومانية المسيحية ثم العربية المسيحية، فالعربية الإسلامية. مضيفا أن التاريخ اليهودي كان تاريخا تابعا لتلك الإمبراطوريات التي حكمت منطقة الشرق القديم، وهو تاريخ يخلو من أي مُلك لهم.
أما عند استعراض التاريخ الديني -بحسب الدكتور محمد خليفة- يتبين أن الديانة اليهودية من صناعة السبي الآشوري والبابلي، ولم تُصنَع في فلسطين، وهذا يشمل أيضا الكتب الدينية اليهودية كالتوراة وأسفار الأنبياء والعهد القديم والتلمود البابلي أيضا المكتوب في العراق، باستثناء التلمود الفلسطيني الذي يعد ضعيفا وغير مستخدم إلا عند بعض الجماعات المغضوب عليها.
وعطفا على ما سبق، قال الدكتور محمد خليفة بأننا أمام ضحكٍ على الذقون لا طول له ولا عرض؛ فبيت المقدس أو أورشليم في العهد القديم ليست مقدسة كقدسيتها عند المسلمين والمسيحيين، ودفاعهم عنها ليس دفاعا عن دين بل عن قطعة أرض، فالعهد القديم يصفها بأنها مدينة للعنات وتوصف أيضا بأنها مدينة الويلات، والمدينة الزانية، وأضاف متسائلا: أين القداسة في هذه المواصفات؟
وحول كيفية مواجهة تهويد القدس، طالب الدكتور بإحياء وعي العالم الإسلامي ببيت المقدس لأنها غائبة عنه، ولا يحضر في الوعي العربي والإسلامي إلا مكة والمدينة المنورة، ومن وسائل الإحياء: إحياء الزيارة الإسلامية لبيت المقدس مع التركيز على تنظيمها بطريقة لا تجعل منها تطبيعا، فالزيارة تعني تواجد البيت المقدس عند المسلم، وتعني حمايته أيضا.
ومن مقترحاته أيضا: توجيه العمل القانوني لحماية بيت المقدس والدفاع عنه، طرح قضيته في المحافل الدولية المختلفة، تعزيز التضامن العربي والإسلامي معه، تكوين جبهة إسلامية ومسيحية مشتركة للدفاع عن بيت المقدس.
بالإضافة إلى تحديد يوم إسلامي سنوي للاحتفال بالبيت المقدس، نشر ثقافة بيت المقدس في مناهج التعليم وفي السياحة، الدعاية لبيت المقدس وآثاره ومعالمه وفنونه، الاحتفال بالمناسبات المهمة لبيت المقدس مثل فتح بيت المقدس، تحريره من الصليبين، مناسبة الإسراء والمعراج، إضافة إلى الاحتفاء بعلماء بيت المقدس، وإحياء الأسماء العربية في بيت المقدس والتي طمسها اليهود وحولوها إلى أسماء عبرية.
وقد ختمت المحاضرة بتعقيب من مدير اللقاء الدكتور جاسم الجزاع، ومداخلات الحضور الذين تفاعلوا باهتمام مع المحاضرة، ودامت لساعة ونصف.