محاضرة الدكتور إبراهيم كالن بعنوان: "الإسلام والغرب"
نظَّم مركز ابن خلدون للعلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة قطر محاضرة للدكتور إبراهيم كالن، المتحدث الرسمي باسم الرئاسة التركية، وذلك بين ساعة 12:30-02:00 ظهرًا، يوم الثلاثاء، الموافق 9 نوفمبر 2021، وكانت المحاضرة، التي أقيمت بقاعة ابن خلدون في جامعة قطر، بعنوان: "الإسلام والغرب".
وقد حضر المحاضرة عددٌ كبير من الحضور، كان منهم: الشيخ ثاني بن حمد آل ثاني، والدكتور حسن الدرهم، رئيس جامعة قطر، والدكتور إبراهيم النعيمي، وعددٌ من نُوَّاب رئيس الجامعة، وعمداء الكليات، ورئساء المراكز، والأقسام، وأعضاء هيئة التدريس، والطلاب والطالبات.
أدار المحاضرة الدكتور نايف بن نهار، مدير مركز ابن خلدون للعلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة قطر، الذي احتفى بالضيف والحضور بداية، ثم أشار إلى بعض أعمال الدكتور كالن، وأنها متنوعة وكثيرة، وأن الضيف ممن جمع بين السياسة والخبرة الأكاديمية. كما نوَّة الدكتور نايف على أن هذه المحاضرة تأتي ضِمن إطار المثاقفة، وهي من الأطر الاستراتيجية الخمسة التي يعمل في ضوئها مركز ابن خلدون، حيث إن العلاقة القطرية – التركية تتميز بالاستراتيجية والقوة في المجالات السياسية، والاقتصادية والعسكرية، وغيرها، بخلاف المجال الفكري الذي لم يشهد الحضور المطلوب؛ فجاءت هذه المحاضرة؛ لتعزيز هذا الجانب.
بدأ الدكتور إبراهيم كالن حديثه بشكر جامعة قطر على تنظيم هذه المحاضرة، كما أشار إلى دور دولة قطر الريادي في السياق المحلي والإقليمي والعالمي، من خلال نشاطاتها المتميزة في مجالات الأمن، والاقتصاد، والوساطة، والتعليم وغيرها، كما أومأ إلى أن موضوع المحاضرة يتقاطع مع عددٍ كبير من القضايا المهمة، كالفكر، والسياسة، والاجتماع، والاقتصاد، والتاريخ، والدين، والثقافة وغيرها. ذكر الدكتور إبراهيم في بداية المحاضرة أن وجود الغرب بهذا الاسم لم يكن موجودًا حين جاء الإسلام، وإنما كانت هناك النصرانية، واليهودية، والإمبراطورية الرومانية، والإمراطورية الساسانية. وحين انتشر الإسلام صارت الجزيرة العربية مركزًا أساسيًا في السياق العالَمي في مدة وجيزة جدًا، في السياسة، والتجارة، والعلاقات الدولية وغيرها.
وقال سعادة المحاضر: إن هناك ثلاثة قضايا مهمة في العلاقة بين الإسلام والغرب، وهي: ظهور الإسلام كدين ذي إرث إبراهيمي مشترَك في بعض الجوانب مع اليهودية والنصراينة، وقد أدرك المسيحيون واليهود خلال وقت قصير بأن هناك علاقة بين الإسلام واليهودية والمسيحية، ولكنَّ هذه العلاقة فيها نوع من الاختلاف، حيث انتقد الإسلام النصرانية في تأليه عيسى –عليه السلام-، كما انتقد اليهودية لتحوُّلها إلى ديانة عنصرية ذات مرجعية قومية. وهذا أحدث نوعًا من الانزعاج لدى المجتمع المسيحي واليهودي تجاه الإسلام والمسلمين، ومن هنا ظهرتْ دراسات نقدية للإسلام من قِبل بعض المسيحيين الأوائل، مثل يحيى بن عدي ويوحنى الدمشقي وغيرهما، وتناولَها علماء الإسلام فيما بعد بالدراسة والنقد، كابن حزم وابن تيمية. والخلاصة أنه حصل هناك نوعٌ من السجال حول المعنى الصحيح لدين إبراهيم عليه السلام بين الإسلام من جهة، واليهودية والنصرانية من جهة أخرى.
القضية الثانية المهمة، بحسب الدكتور كالن، بالنسبة إلى علاقة الإسلام والغرب هي: التحوَّل السريع للإسلام إلى قوة ثقافية وحضارية في العالَم، وذلك بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم بوقت قصير، حيث تحوَّل الإسلام إلى حضارة مركزية في العالم؛ فغدا المسلمون في بداية القرن التاسع يقودون العالم في مجالات الثقافة والحضارة والعلوم والمعارف. واللافت للنظر أن المسلمين لم يصابوا بالذاتية، ولم يشعروا بمركب النقص تجاه الحضارات والثقافات الأخرى؛ لذا استطاعوا الاستفادة من تراثها؛ فترجم المسلمون أعمال الهنود والإغريق وغيرها، وترجموا الأعمال الرياضية والأدبية والثقافية. بالإضافة إلى المنطق والفلسفة والعلوم. والقضية الثالثة التي مثَّلتْ تحديًا كبيرًا بالنسبة إلى الآخرين، برأي الأستاذ كالن، هي الدور العسكري للإسلام، حيث تحدى الإسلام إمبراطوريات الرومان والساسان وغيرها، التي سقطت بسرعة أمام قوة الإسلام، وهذا ما سبَّب إزعاجًا كبيرًا لهم.
ويرى الدكتور إبراهيم أن هذه القضايا الثلاثة مثَّلت تحديات كبرى بالنسبة إلى علاقة الإسلام بالغرب. ومن هنا فشلوا في استيعابه ودراسته بشكل موضوعي. كما أن المشكلة الكبرى بالنسبة إلى الغرب تكمن في المركزية الأوروية (eurocentrism)، حيث إن الغرب يحاول أن يقيِّم كل شيء من منظوره الخاص، باعتباره المركز. ولا يحاول دراسة الآخرين من خلال خصائصهم ونماذجهم الخاصة بهم، ومن هنا يصف الآخرين بالتخلف والجهل والرجعية والبربرية حين لا تتوافق نماذجهم مع النموذج الغربي ومنظوره الخاص. وهذا ما يفسِّر الازدواجية الغربية في التعامل مع الإسلام، حيث يمدحون الحضارة الإسلامية، مع رفضهم للإسلام كدين؛ لأنهم لا يستوعبون فكرة التكامل الإسلامي لجميع جوانب الحياة.
وأشار سعادة المتحدث الرسمي بأن هذه المشكلة لا يمكن حلها ما لم يتواضع الغرب، ويحاول فهم الآخرين من خلال وجهات نظرهم الخاص بهم، وليس من وجهة نظر المركزية الأوروبية، كما يرى كالن أن المشكلة تزداد سوءًا حين نخطئ نحن المسلمين في فهم الغرب أيضًا، ومن هنا دعا إلى اهتمام المسلمين بعلم الاسغراب لدراسة الغرب وثقافته؛ ليمكن التوصُّل إلى أرضية مشتركة للجميع، بحيث يمكن العمل لصالح الإنسانية والبشرية وازدهار العالم وصلاحيته للعيش والخلافة.
وقد تفاعل الحضور مع المحاضرة بشكل لافت، وطرح بعضهم أسئلة تتعلق ببعض جوانب المحاضرة، أجاب عليها الضيف، وقد استمرت المحاضرة لمدة ساعة ونصف.