مهرزاد بروجردي
تبدأ الدراسة بالورقة التي شارك بها الدكتور مهرزاد بروجردي _ أستاذ العلوم السياسية في جامعة سيراكيوز في الولايات المتحدة، والذي ينطلق من ثلاث مقدمات:
المقدمة الأولى: أنه لا يوجد حاليًا شخصية في إيران تشكّل محل توافق لدى مختلف الفاعلين في المشهد الإيراني.
المقدمة الثانية: لا توجد شخصية دينية مستقلة تتمتع بكاريزما وجاذبية سياسية.
المقدمة الثالثة: لا توجد شخصية قيادية في إيران إلا ولها تاريخ مثير للجدل والإشكال في إيران.
النتيجة الطبيعية لهذه المقدمات أن المعارضة ستكون حتمية لأي خليفة يتولى منصب القائد الأعلى، وهذا ما يعني أنه سيكون هناك عدم استقرار سياسي نسبي في إيران لكن في الوقت نفسه لا تصح المبالغة في هذا الشأن.
وبعد هذه النتيجة وتلك المقدمات يقر بروجردي بصعوبة تخمين الشخصية التي ستتولى منصب القائد بعد خامنئي، ومع ذلك يرى أن هناك محددات في اختيار القائد القادم يصعب تجاوزها، ومن أبرز تلك المحددات محدد العمر، حيث يرى بروجردي أن عامل العمر جوهري في اختيار المرشح القادم؛ لأن اختيار مرشح يزيد عمره عن السبعين يعني أن ذلك سيدخل إيران في أزمة انتقال السلطة مرةً أخرى في زمن قريب، فاختيار مرشح كبير في العمر يعني احتمالية وفاته قريبًا، وهذا يعني إعادة فكرة الانتقال من جديد مما سيهدد استقرار النظام.
ولذلك يرى بروجردي أن المرشح القادم لن يكون كبيرًا في السن، وهذا يعني إقصاء أسماء مهمة من التنافس على منصب القائد، ومن أبرز هؤلاء:
- محمد إمام كاشاني: 88 عامًا.
- أحمد جنتي: 92 عامًا.
- محمد تقي مصباح يزدي 84.
- محمد كرماني 88 عامًا.
- حسن صناعي: 82 عامًا.
- محمد يزدي: 88 عامًا.
إذا نحينا كل هؤلاء، وأضفنا إلى ذلك وفاة هاشمي رفسنجاني من المشهد لوفاته عام 2017، فإن ذلك يقودنا _ بحسب بروجردي_ لترشيح اسمين مهمين:
المرشح الأول: حجة الإسلام السيد إبراهيم رئيسي المولود عام 1960 في خراسان، والذي يعمل حاليًا رئيس السلطة القضائية، وكان قد ترشح عام 2017 في الانتخابات الرئاسية وجاء في المركز الثاني بنحو 16 مليون صوت.
ومن أبرز الدواعي التي تجعل رئيسي مرشحًا مهما لخلافة خامنئي:
أولاً: سيد من آل البيت، شأنه في ذلك شأن كل المتعاقبين على منصب القيادة (الخميني وخامنئي).
ثانيًا: يعد رئيسي من أقرب طلاب خامنئي إليه.
ثالثًا: يتمتع بعلاقات جيدة مع معظم الفاعلين المهمين في المشهد الإيراني لا سيما الحرس الثوري بسبب آرائه التي تصب في صالح الاتجاه المحافظ.
رابعًا: وصايته على مؤسسة ضريح الإمام رضا مما يمكنه من الوصول إلى موارد مالية هائلة.
خامسًا: كونه مدعيًا عامًا للمحكمة الخاصة برجال الدين يتيح له إمكانية توظيف ذلك في إسقاط خصومه من رجال الدين.
سادسًا: خبرته الواسعة في الشأن القضائي وعضويته في مجلس الخبراء منذ عام 2007.
هذه هي دواعي التفكير في رئيسي مرشحًا لمنصب القائد الأعلى، أما عن المعوقات فلا يذكر بروجردي معوقات حقيقية باستثناء كونه يمتلك سجلاً سيئًا في مجال حقوق الإنسان، وعدم امتلاكه كاريزما سياسية.
المرشح الثاني: آية الله صادق آملي لاريجاني المولود في عام 1960 في النجف، والذي يشغل لاريجاني حاليًا منصب رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام، وعضو في مجلس صيانة الدستور. وهو صهر آية الله حسين وحيد خراساني الذي ربما يملك أكبر عدد من التلاميذ في قم.
إذا أردنا المقاربة بين المرشحين _ بحسب بروجردي_ فإن شعبية رئيسي لا شك أنها أكبر من لا ريجاني، نظرًا للاتهامات الموجهة للأخير بالفساد المالي، وقد أثبت الواقع علو شعبية رئيسي على لاريجاني من خلال انتخابات مجلس الخبراء التي فاز فيها رئيسي بـ 43 صوتًا مقابل 27 لصادق لاريجاني.
ماذا عن الأسماء الأخرى؟
لا يرى بروجردي أحدًا مؤهلاً لمنافسة لاريجاني ورئيسي، لكن هناك أسماء مطروحة تتمتع باحتمالات ضعيفة، مثل الرئيس الحالي حسن روحاني، ومجتبى خامنئي ابن القائد الحالي، والسيد حسن الخميني حفيد خميني مؤسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية. أما حسن روحاني فحظوظه ضعيفة نظرًا لضعف أدائه الاقتصادي وخلافاته مع بيت المرشد وعدم اقتناع الحرس الثوري به، أما مجتبى فهذا قد يؤدي إلى كارثة في النظام الإيراني؛ لأنه إنما ثار على نظام الشاه الملكي الوراثي، فكيف يعيد إنتاج النظام الذي ثار عليه؟ كما أن مجتبى لا يمتلك مؤهلات تسمح له بتولي هذا المنصب. أما حسن خميني فقد تم رفضه مسبقًا حين أراد الترشح لمجلس الخبراء من قبل مجلس صيانة الدستور عام 2016.
احتمال أخير يذكّر فيه بروجردي قبل أن ينهي ورقته، وهو أنه قد يكون هناك مجلس قيادة بدلاً من قائد واحد، لكنه يستبعد هذا الاحتمال نظرًا لما سيتولد عنه _ نتيجة الصراعات_ من شلل سياسي في إدارة دفة صناعة القرار الإيراني.
ينتهي أخيرًا بروجردي إلى الميل بأنه لن يقع تحول جذري في المشهد الإيراني جراء انتقال السلطة، فلن يتدخل الحرس الثوري، ولن ينتهي المنصب، بل حتى لن تتقلص صلاحيات منصب المرشد الأعلى مستندًا في ذلك على أن تقليص صلاحيات المرشد وإيجاد قوة موازية سيعني نزع مشروعية النظام نفسه حتى في نظر المتدينين المؤيدين للنظام؛ لأن شرعية مبدأ ولاية الفقيه يستند إلى جعل السلطة النهائية بيد الولي الفقيه، أما مشاركته من قبل قوى مدنية أخرى فهذا يعني أن صناعة القرار في النظام الإيراني ليست مختومة بختم القائد.
سيد جواد ميري
وبقدم الأستاذ سيد جواد ميري (أستاذ علم الاجتماع في معهد الدراسات الإنسانية والثقافية بطهران) بحثا بعنوان: التفكير في السيناريوهات المحتملة للمشهد السياسي لإيران، ويرى ابتداء ضرورة أن توسع دائرة النظر لقضية الخلافة، فلا تختزل جميع تعقيدات المجتمع الإيراني في شخص، ولا تحصر في سؤال من يخلف هذا القائد أو ذاك، وإنما ينبغي أن تفهم في إطار الثقافة السياسية الإيرانية الممتدة عبر القرون، والتي يأتي التركيز فيها على الحفاظ على الهوية الحضارية لإيران. فقد يكون الشعب غير راض عن النخبة السياسية الحاكمة، ولكن ذلك لا يعنى أنه سيبتعد عن الإرث الثقافي لإيران.
وبناء على ذلك فهو يرى أن رحيل آية الله خامنئي سيضع الأمة أمام صدمة كبيرة، غير أن تلك الصدمة لا تمثل نهاية للدولة. ويتحدث عما يسميه "الكاريزما الجماعية" في إشارة إلى الهالة التي ظلت تحيط بالجيل الثوري الذي أطاح بالشاه، وأنشأ الدولة، وشارك في الحرب. ويعتقد أنه من الممكن أن تسقط تلك الهالة على مؤسسة المرشد الأعلى (من خلال مساعدة الجهاز البيروقراطي)، وأن ذلك قد يمهد الطريق للقيادة الجدية التي ستخلف آية الله خامنئي.
وبعد تحليل مستفيض للتيارات الرئيسية في إيران، وفحص للتوترات بين الدين والتجارة، وبين الدين والسياسة، يخلص للقول: بأنه لا تزال هناك احتمالات لإصلاحات هائلة من داخل النظام، وقد يكون آية الله خامنئي بطل هذا الإصلاح الذي يختلف اختلافًا عميقًا عن الإصلاحات الليبرالية أو الليبرالية الجديدة التي اقترحها الإصلاحيون في عهد خاتمي؛ وأنه سيكون من الخطأ الشديد التفكير في المجتمع الإيراني عمومًا من خلال الصور القديمة السابقة للثورة، إذ مر الإيرانيون بحسب تقديره بتحولات ذهنية وثقافية هائلة لم تكن متوقعة منذ أربعين عامًا. ويعتقد أن أي سيناريو محتمل يجب أن يأخذ البعد الاجتماعي في الاعتبار لأنه بدون هذه الملاحظة، ستكون جميع المقترحات السياسية عبارة عن مقترحات واهنة.
فالدكتور ميري يصر على أنه لا يمكن فهم المشهد الإيراني وسيناريوهات التحولات ما بعد خامنئي من خلال البوابة السياسية حصرًا، بل لا بد من فهم المشهد من خلال إطار أوسع وأشمل، وهو الإطار الثقافي والاجتماعي، إذ إن الإنسان الإيراني يتعامل مع مجريات المشهد السياسي ليس بصفة آنية ولا مختزلة، بل إنه دائمًا _ بحسب ميري_ ما يستحضر السياق التاريخي للأمة الإيرانية.
وانطلاقًا من ذلك يؤسس ميري إلى أن الإيرانيين لن يسعوا لحصول تغيير جوهري يؤثر على الهوية الإيرانية، وإنما سيتقبلون عملية الانتقال لكن مع حصول تغييرات تبعد فئتين عن دوائر صنع القرار، فئة المتشددين وفئة العسكر.
وتأثرًا بتخصصه علم الاجتماع، حاول ميري توظيف فكرة الكاريزما عند ماكس فيبر، فرأى أن منصب القائد الأعلى في زمن الخميني كان يعتمد على كاريزما القائد نفسه، ويقصد بالكاريزما "القادة الذين يحكمون بدون قواعد محددة ويشكل حكمهم إجماعًا على المستوى الوطني".
أما في المرحلة الحالية فإن الكاريزما تحولت إلى الجماعة، أي أن هناك كاريزما جماعية تحيط بالجيل الذي أطاح بالشاه وأنشأ دولة جديدة وشارك في الحرب ضد العراق.
ويرى ميري أن الكاريزما الجماعية ستنتهي بعد خامنئي، لكن هذا لا يعني انتهاء فكرة الكاريزما نفسها؛ لأنها ستنتقل لتصبح "كاريزما النموذج" أي أن منصب القائد الأعلى بحد ذاته أصبح يتمتع بالكاريزما الخاصة، فالشخص يستمد قوته من كاريزما المنصب وليس العكس.
إذن الشيء الجوهري الذي سيقع بعد خامنئي هو تحول الكاريزما من الكاريزما الجماعية إلى كاريزما النموذج، مما يعني أنه لن تحدث تغييرات جوهرية حقيقية، وأن التغييرات التي ستحصل ستصب في صالح المشهد العام الإيراني.
لوسيانو زاكارا
أما بالنسبة للدكتور لوسيانو زاكارا الباحث الأرجنتيني المتخصص في الشأن الإيراني، فإنه ركز في ورقته على المدخل المؤسسي لمقاربة مسألة ما بعد خامنئي، حيث ركز على النظام الانتخابي الإيراني وأبرز خصائصه وتمايزاته عن بقية الأنظمة الانتخابية في العالم، ثم ناقش مدى إمكانية حصول تغيير حقيقي في هذا النظام ما بعد خامنئي، ووصل إلى أنه "من المستبعد حتى الآن أن يتم إجراء إصلاح شامل على النظام الانتخابي والقواعد التنظيمية على المدى القصير". لكنه مع ذلك كان متفائلاً، فيرى أنه "استنادًا إلى الخبرة المتراكمة على مدار أربعين عامًا من تاريخ الجمهورية الإسلامية فإيران تتجه بلا شك نحو طريقة جديدة لتسيير الانتخابات"
ويرى أنه إذا تمت الإصلاحات المطلوبة في حق النظام الانتخابي الإيراني فإن النتيجة ستكون "توفير إطار عمل لانتقال أكثر سلاسة، ليس على مستوى منصب القيادة فقط، بل حتى على مستوى الرئاسة، مما يعزز الهيكل الجمهوري ويحقق للعمليات الانتخابية المقاييس الدولية المطلوبة لتصبح مقبولة على المستوى الدولي".
وعلى وجه التفصيل يتناول الأستاذ لوسانيو زاكارا مفهوم "الفصائل السياسية" ودورها في السياسية الإيرانية، ويقر بوجود محاولات عديدة لتحديد معنى الفصائل ودورها في السياق الإيراني على مدار الأربعين عامًا التي هي عمر الجمهورية الإيرانية. ومع هذا، تبقى غالبًا المعاني السلبية المرتبطة بالمصطلح بسبب حقيقة أن الكتابات السابقة عن التحزب ظهرت في سياق عمليات التحول الديمقراطي والحداثة الأكثر تطورًا، حيث تعرضت الأحزاب السياسية للتحول المؤسسي والدمج. ومن ثم، فالأمر لا ينطبق على إيران أو غيرها من دول المنطقة ذات المؤسسات الأولية أو الأنظمة الحزبية. وفي هذا الصدد، يُنظر للفصائل على أنها "صفة تميز المراحل الأولى لما يطلق عليه عملية التحديث حيث انفصل الأفراد والمجموعات عن الأنماط التقليدية للممارسات السياسية، ولكن تبقى المشاركة السياسية والتحول المؤسسي منخفضين. ولكن هذا لا ينطبق في مجمله على الحالة في الجمهورية الإسلامية حيث تختلط الانتماءات السياسية في أغلب الأحيان بالانتماءات العائلية، والدينية، والزبونية، والإقليمية. ومع هذا، فالمجموعات البرلمانية والاتحادات السياسية الدينية تطلق عليها الصحافة الإيرانية فصائل، مما يجعل أمر تعريف المعنى الدقيق لهذا المفهوم صعبًا بالنسبة للوضع في إيران. ومن المتعارف عليه وجود إشارات إلى الفصائل "الإصلاحية" أو "المحافظة"، حيث يشار إليهما أحيانًا على أنها "اتجاهات" أو "أيديولوجيات" واسعة في داخل الأطياف السياسية الإيرانية. كما يستخدم المصطلح عند وصف اتحادات سياسية بعينها مثل "رابطة رجال الدين المقاتلين" و"جمعية رجال الدين القتاليين"، واللتان قد تم تسجيلهما رسميًا. وبالرغم من التساؤلات حول استخدام المصطلح عند وصف النظام الانتخابي الإيراني، تعد ممارسات "الفصائل ذات السمة الشخصية" مفيدة لأنها "تعتمد على الزبونية، والتي تعد أيضًا الآلية المركزية للتعبئة". وهذا يبدو أكثر وضوحًا بالنظر إلى تكون المجموعات البرلمانية وسلوكها أثناء جلسات النقاش والتصويت. وبما أن حدود الأحزاب ليست معرفة بوضوح، فسلوكها لا يعتمد على الانتماء الحزبي أو الالتزام، ولكن على الاتفاقيات غير الرسمية المرنة والقابلة للتغيير بين المجموعات المختلفة أو حتى الأفراد، استنادًا إلى عوامل كثيرة أخرى مثل الانشقاقات الزبونية، والإقليمية، والسياسية، والعائلية، والدينية.
وبعد عرض مفصل للنظام الانتخابي في إيران، ولنظام الفصيل الحزبي وتأثيراته، يرسم الباحث خريطة دقيقة لتلك الفصائل، ثم يقوم في ضوء ذلك بتحليل السيناريوهات المستقبلية، منتهيا إلى القول بأنه رغم من أن النظام السياسي الإيراني يتسم بالديناميكية، ورغم أن نظام الفصائل السياسية قد منحه المرونة المطلوبة في أوقات إعادة التهيئة للقائد الجديد أثناء الانتقال من آية الله روح الله الخميني إلى آية الله علي خامنئي، إلا أن الموقف الراهن يتطلب هيكلًا أكثر استقرارًا يضع على رأس أولوياته الاستقرار والشفافية. وبدون مزيد من الإصلاحات في أنظمة الانتخاب والأحزاب، فالسيناريو المرتقب في حالة تعيين قائد جديد أنه سيواجه مشكلات مشابهة فيما يخص الشفافية والدقة لعملية الانتخاب كلها كما واجهها القائد السابق في 1989.ويعتقد أن السيناريو الذي يتضمن إصلاحات على النظام الانتخابي ونظام الأحزاب سيوفر إطار عمل لانتقال أكثر سلاسة، ليس فقط في حالة القيادة، ولكن أيضًا على المستوى الرئاسي في الانتخابات المقبلة، مما يعزز الهيكل الجمهوري، ويحقق للعمليات الانتخابية المقاييس الدولية المطلوبة لتصبح سارية ومقبولة على المستوى الدولي