يعد التكامل بين العلوم أحد أهم الشروط المنهجية لبناء الفهم السليم تجاه الموضوعات الإنسانية والاجتماعية المتداخلة بطبيعتها، وهذا ما أدركه من قديم علماؤنا إذ ألحوا على أهمية المعرفة البينية باعتبارها المنهج الملائم لإدراك الظاهرة الإنسانية، فنجد ابن حزم يقول: "العلوم كلها متعلق بعضها ببعض ومحتاج بعضها إلى بعض". ومن بعد ابن حزم نجد ابن خلدون يذكر أن دراسة الظاهرة التاريخية "محتاج إلى مآخذ متعددة، ومعارف متنوعة، وحسن نظر وتثبت، يُفْضيان بصاحبهما إلى الحق".
ومع حضور هذا الإدراك الواعي بأهمية الدرس البيني في المعرفة الإنسانية فإن النمط البحثي المعاصر لا يزال في كثير من الأحيان يعاني من غياب المعرفة البينية بما يؤدي إلى تناول الموضوعات تناولاً تجزيئيًا. وهذا ما أدى كذلك إلى ابتعاد فروع العلوم الإنسانية عن بعضها وكأنها جزر معزولة، وليس استثناء من هذا الحال الوضع القائم بين العلوم الشرعية والعلوم الاجتماعية، إذ لا يزال من الملاحظ وجود حواجز حقيقية في مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي بين هذين الحقلين المهمين. وهذا إشكال جوهري ينبغي أن تتكاتف الجهود الجماعية لإصلاحه ومعالجته، إذ العلوم الشرعية بحاجة إلى العلوم الاجتماعية لفهم الظواهر وتفسيرها سعيًا لصناعة الحكم الشرعي الملائم، والعلوم الاجتماعية بحاجة للعلوم الشرعية لفهم التصورات الكامنة وراء الظواهر الاجتماعية، ولتحديد الموقف المعياري كذلك.
وفي سياق تقليص الفجوة ومعالجة هذا الإشكال، يعلن مركز ابن خلدون للعلوم الإنسانية والاجتماعية عن "جائزة مركز ابن خلدون للدراسات البينية" بين العلوم الشرعية والعلوم الاجتماعية، لتكون هذه الخطوة ضمن خطوات أخرى خطاها مركز ابن خلدون لتعزيز البحث البيني في العالم العربي، ومن ذلك إصدار مجلة دورية بعنوان "تجسير" معنية حصرًا بالدراسات البينية في العلوم الاجتماعية، وكذلك إقامة العديد من المؤتمرات والندوات الدولية التي تبحث في تجسير العلاقة بين مختلف فروع المعرفة الإنسانية.